لم ترد قصة شعيب عليه السلام إلا في اربع سور من القرآن الكريم هي: الأعراف وهود والشعراء والعنكبوت.
وشعيب لقب بخطيب الانبياء لما أعطي من منطق حسن وأسلوب لين، وقد بعثه الله الى مدين او أصحاب الأيكة، وهؤلاء قوم ابتلاهم الله بنقص في المكيال والميزان، فكانت دعوة شعيب لهم بأن لا ينقصوا المكيال والميزان، لأن ذلك يعد غشا وكذبا وخداعا والله لا يرضى بذلك.
إذن بعد توحيد الله لابد من معاملة الناس بالعدل والاحسان، قال تعالى: “والى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره، قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها، ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين” الآية رقم 85 من سورة الاعراف.
لكن قوم شعيب كغيرهم صاروا يستهزئون بنبيهم ويقولون له: أصلاتك تأمرك بهذا؟
عندئذ حل بهم العذاب قال تعالى: “فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين”. ويقول في آية اخرى: “فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم” الآية رقم 189 من سورة الشعراء.
يقول الاستاذ سميح عاطف الزين في كتابه قصص الانبياء في القرآن:
ابتلي قوم شعيب بالحر الشديد، لا يروي ظمأهم ماء ولا تقيهم ظلال ولا تمنعهم جبال ففروا هاربين، ورأوا سحابة مظلة لهم من وهج الشمس وحسبوها ستارا من شدة الحر فاجتمعوا تحتها، ولكن ما ان اكتمل عددهم حتى بدأت الغمامة ترميهم بالشرر، وجاءت الصيحة وعذاب الظلة من السماء، وزلزلت الارض من تحت أقدامهم فأهلكوا وصاروا من الغابرين عندئذ تأسف عليهم نبي الله شعيب وقال بعد ان تولى عنهم: “يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين” الآية رقم 93 من سورة الاعراف.
أقول: وينبغي ان نقف مع نبي الله شعيب وقومه أهل مدين وقفتين:
1- أهل مدين هم اصحاب الأيكة على أرجح الأقوال كما يقول ابن كثير وقد قال بأن الحديث الذي يقول: ان قوم مدين واصحاب الأيكة أمتان بعث الله اليهما شعيبا عليه السلام حديث غريب.
والأيكة شجرة كان أهل مدين يعبدونها من دون الله، وعندما بعث شعيب كانوا متلبسين بعملين مشينين:
الأول: الاشراك بالله في العبادة.
الثاني: التطفيف في المكيال والميزان، حيث إنهم كانوا اذا وزنوا للناس او كالوا يخسرون فيهما، واذا وزنوا او كالوا لأنفسهم زادوا في الميزان والمكيال، وليس بعد هذا جور أبدا.
2- الصلاة ليست معروفة في الاسلام فقط بل حتى الديانات او الأمم الاخرى عرفت الصلاة، بدليل ان قوم شعيب قالوا لشعيب أصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا او ان نفعل في أموالنا ما نشاء؟
وبالمناسبة هذه الشهادة من أهل مدين بجدوى الصلاة في بتر جذور المنكر، تعزز الآية الكريمة التي تقول: ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فالذي أمرت به أمة محمد أمر به من قبلها أيضا.
3 برزت في مهمة نبي الله شعيب مع قومه مشكلة المال ومحاربة الفساد، فشعيب جاء ليطهر المجتمع من الامراض الاجتماعية التي هي من قبيل الكذب والغش والتطفيف في المكيال والميزان، لأن كل هذه من أكل أموال الناس بالباطل.
ولكن قوم شعيب اعتبروا شعيبا خارجا عليهم جاء ليحد من حرياتهم الشخصية، فلو تركوه يمضي في طريقه الاصلاحي هذا فإنهم سوف يخسرون المال والجاه والمنصب، كيف لا وقد تعودوا ان يظلموا الضعفاء ويستعلوا عليهم بقوة سلطانهم؟